الفقه

فتاوى السبكي




فتاوى السبكي

(ج: 1 - ص: 235)

عَنْهُ إنَّمَا هُوَ نَفْسُ الْمَجِيءِ الْمُسْتَقْبَلِ عِنْدَ الْمَجِيءِ الْمُسْتَقْبَلِ فَإِذَا كَانَتْ خَبَرًا لَكَانَ لَمْ يُعْتَبَرْ إلَّا مَا كَانَ مُسْتَقْبَلًا فَيَصِيرُ مَاضِيًا مِنْ هُنَا دَلَّتْ عَلَى الْوُقُوعِ فِي الْمَاضِي، وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَتَفَطَّنُونَ لِوَجْهِهِ وَإِنْ فَهِمُوهُ بِطِبَاعِهِمْ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّك تَقُولُ: كَانَ زَيْدٌ قَائِمًا فَصَارَ قَائِمًا بَعْدَ مَا كَانَ لِلْحَالِ مَاضِيًا، وَتَقُولُ: كَانَ زَيْدٌ يَقُومُ فَصَارَ يَقُومُ مَاضِيًا بَعْدَ مَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ.
بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّك تَقُولُ: زَيْدٌ قَائِمٌ وَمَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ بِقِيَامِهِ حِينَ الْإِخْبَارِ فَإِذَا أَدْخَلْت ` كَانَ ` صَارَ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارَ بِقِيَامِهِ فِي الْمَاضِي وَدَلَالَةُ اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَا تَغَيَّرَتْ، وَتَقُولُ: زَيْدٌ قَائِمٌ وَمَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ بِقِيَامٍ مَاضٍ عَنْ زَمَانِ الْإِخْبَارِ فَإِذَا دَخَلَتْ كَانَ صَارَ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارَ بِقِيَامٍ مَاضٍ عَنْ الزَّمَانِ الْمَاضِي الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ كَانَ، فَلَيْسَ قَوْلُك زَيْدٌ قَائِمٌ وَكَانَ زَيْدٌ قَامَ سَوَاءً كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُهُمْ بَلْ زَيْدٌ قَامَ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الْقِيَامِ بِزَمَانٍ وَكَانَ زَيْدٌ قَامَ يَقْتَضِي تَقَدُّمَ الْقِيَامِ بِزَمَانَيْنِ، وَتَقُولُ: زَيْدٌ يَقُومُ وَمَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ بِحُدُوثِ قِيَامٍ عِنْدَ الْإِخْبَارِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي دَلَالَةِ الْمُضَارِعِ فَإِذَا دَخَلَتْ ` كَانَ ` صَارَ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارَ بِذَلِكَ الْحُدُوثِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّمَانِ الْمَاضِي الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ ` كَانَ ` وَتَقُولُ زَيْدٌ سَيَقُومُ وَمَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ بِقِيَامٍ مُسْتَقْبَلٍ عَنْ زَمَانِ الْإِخْبَارِ.
وَلَا أَدْرِي هَلْ يَجُوزُ أَنْ تَدْخُلَ ` كَانَ ` عَلَى هَذَا أَوْ لَا، وَالْأَقْرَبُ الْمَنْعُ لِأَنَّ بَيْنَ مَعْنَى ` كَانَ ` وَمَعْنَى السِّينِ تَنَاقُضًا، وَتَقُولُ: زَيْدٌ أَبُوهُ قَائِمٌ وَمَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ بِقِيَامِ أَبِيهِ فِي حَالِ الْإِخْبَارِ فَإِذَا أَدْخَلْتَ كَانَ صَارَ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارَ بِقِيَامِ أَبِيهِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ كَانَ وَتَقُولُ: زَيْدٌ إنْ يَقُمْ يَلْقَ خَيْرًا، وَلَا أَدْرِي: هَلْ يَجُوزُ دُخُولُ كَانَ عَلَى هَذِهِ أَوْ لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ كَانَ تَدُلُّ عَلَى تَحَقُّقِ خَبَرِهَا وَ ` إنْ ` تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَحَقُّقِهِ؛ وَالْأَقْرَبُ الْجَوَازُ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِأَنَّ نُدْرَةَ قُدُومِهِ وَالشَّكَّ فِيهِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ كَانَ وَإِنْ حَصَلَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَمِمَّا يَدُلُّ لَهُ مَا فِي الْحَدِيثِ فِي «قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ الَّذِي قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: رَأَيْت رَجُلًا إلَى أَنْ قَالَ: وَإِنْ تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وُضُوئِهِ» ، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ رَأَيْت تَدُلُّ عَلَى الْمُضِيِّ كَمَا أَنَّ كَانَ تَدُلُّ عَلَى الْمُضِيِّ وَقَدْ جَاءَتْ فِي مُتَعَلِّقِهَا وَدَخَلَتْ عَلَى أَمْرٍ مُحَقَّقٍ فَلِذَلِكَ إذَا دَخَلَتْ فِي خَبَرِ كَانَ.
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ هُنَا أَنَّ ` إنْ ` إذَا لَمْ تَكُنْ فِي خَبَرِ كَانَ لَا تَدُلُّ عَلَى الْوُقُوعِ وَإِذَا وَقَعَتْ فِي خَبَرِ كَانَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا بِضَمِيمَةِ كَانَ تَدُلُّ عَلَى الْوُقُوعِ وَلَا تُفَرَّقُ حِينَئِذٍ مِنْ ` إذَا ` إلَّا بِأَنَّ مَضْمُونَهَا نَادِرُ الْوُقُوعِ وَمَضْمُونَ ` إذَا ` غَالِبُ الْوُقُوعِ، وَهَذَا قَدْ يُنْكِرُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ لِمَا فِي الْأَذْهَانِ مِنْ أَنَّ ` إنْ ` إنَّمَا تَدْخُلُ عَلَى الْمُحْتَمَلِ وَنَحْنُ