الفقه

فتاوى السبكي




فتاوى السبكي

(ج: 1 - ص: 30)

الْآيَةِ وَجْهٌ ثَانٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَكْتُوبُ الْوَصِيَّةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: 180] شَرْطَانِ مُتَوَسِّطَانِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَمَفْعُولِهِ؛ وَيَكُونُ الْجَوَابُ ` كُتِبَ ` مَحْذُوفًا مَدْلُولًا عَلَيْهِ بِكُتِبَ الْمُتَقَدِّمِ، وَيُحْتَمَلُ وَجْهٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّ ` إذَا ` ظَرْفٌ مَحْضٌ، أَيْ كُتِبَ وَقْتَ الْحُضُورِ، وَقَوْلُهُ ` إنْ تَرَكَ ` شَرْطٌ إمَّا تُقَدَّرُ الْفَاءُ فِي الْوَصِيَّةِ جَوَابًا لَهُ، وَإِمَّا مَحْذُوفُ الْجَوَابِ وَالْوَصِيَّةُ مَفْعُولٌ كَمَا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي. وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ تَكُونُ الْكِتَابَةُ وَقْتَ الِاحْتِضَارِ؛ وَعَلَى قَوْلِ الْأَخْفَشِ تَكُونُ الْكِتَابَةُ مُتَقَدِّمَةً، وَلَك أَنْ تُخْرِجَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافٍ فِي الْأُصُولِ؛ فَقَوْلُ الْأَخْفَشِ يَتَخَرَّجُ عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ أَزَلِيٌّ، وَالْقَوْلَانِ الْآخَرَانِ عَلَى أَنَّهُ حَادِثٌ أَوْ تَعَلُّقُهُ حَادِثٌ، وَيَكُونُ الْحَادِثُ عِنْدَ الشَّرْطِ التَّعَلُّقَ. إذَا عَرَفْت ذَلِكَ عُدْنَا إلَى الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: 236] فَنَقُولُ {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 236] جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ إنْ قَدَّرْنَا الْخَبَرَ ` كَائِنٌ ` أَوْ ` يَكُونُ ` فَهِيَ فِي الثُّبُوتِ كَقَوْلِك أَنَا قَائِمٌ بَلْ أَوْلَى. لِأَنَّ مَا يَحْتَمِلُهُ اسْمُ الْفَاعِلِ الْمُصَرَّحُ بِهِ مِنْ الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ هَاهُنَا يَضْعُفُ لِأَنَّا إنَّمَا قَدَّرْنَاهُ لِضَرُورَةِ الْعَمَلِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَلْزَمُ الْكِنْدِيَّ أَيْضًا وَتَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَرُدُّ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ نَظَائِرُهَا فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] وَأَشْبَاهُهَا فَلِأَجْلِ ذَلِكَ ذَكَرْنَا كَلَامَ الْكِنْدِيِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَلِنُنَبِّهَ عَلَى مَا فِيهِ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُخْرَى وَقَوْلُ الْكِنْدِيِّ أَنَّهُ إذَا قَالَ. إنْ دَخَلْت الدَّارَ طَلَّقْتُك يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ أَيْضًا. وَهَذَا وَعْدٌ مُجَرَّدٌ وَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ إنْ جِئْتنِي أَكْرَمْتُك. إنَّ الْإِكْرَامَ فِعْلٌ مُنْشَأٌ، وَلَا يُتَصَوَّرُ إنْشَاؤُهُ إلَّا مُتَأَخِّرًا عَنْ الْمَجِيءِ فَيَلْزَمُ التَّرْتِيبُ ضَرُورَةً، وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ لَا يَفْتَقِرُ إلَى زَمَانٍ مَحْسُوسٍ فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الْعِلَّةِ مَعَ الْمَعْلُولِ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ هَذَا فِي الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِ الْقَائِلِ إنَّ الشَّرْطَ قَبْلَ الْمَشْرُوطِ وَنَقَلْنَا مِنْهُ غَرَضَنَا هُنَا، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْإِكْرَامِ، وَكَذَلِكَ نَقُولُهُ نَحْنُ فِي طَلَّقْتُك، لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُنْشَأٌ. وَخَفِيَ عَنْ الْكِنْدِيِّ هَذَا فَإِنْ قُلْت: قَدْ قُلْتُمْ فِيمَا إذَا قَالَ طَلَّقْتُك إنْ دَخَلْت الدَّارَ. بِالْوُقُوعِ وَالْجَزَاءِ الَّذِي يُقَدَّرُ مِنْ جِنْسِ الْمُتَقَدِّمِ - وَهُوَ طَلَّقْتُك - فَكَيْفَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَهُمَا عَلَى عَكْسِ مَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْكِنْدِيُّ؟ قُلْت: إذَا تَقَدَّمَ طَلَّقْتُك عَلَى الشَّرْطِ كَانَ الْمُعَلَّقُ أَحَدَ جُزْأَيْ مَدْلُولِهِ وَهُوَ الْوُقُوعُ دُونَ الْإِيقَاعِ وَإِذَا تَأَخَّرَ كَانَ الْمُعَلَّقُ جَمِيعَهُ، فَلِذَلِكَ فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا. وَنَظِيرُ ذَلِكَ أَنْ نَقُولَ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ وَكَّلْتُك لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك الْآنَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ عَلَى