الفقه

فتاوى السبكي




فتاوى السبكي

(ج: 2 - ص: 148)

وَبِنْتٌ وَأَخَذَ وَلَدُ الْوَلَدِ النَّصِيبَ الَّذِي لَوْ كَانَ وَالِدُهُ حَيًّا لَأَخَذَهُ، ثُمَّ مَاتَتْ الْبِنْتُ فَهَلْ يَخْتَصُّ أَخُوهَا الْبَاقِي بِنَصِيبِهِمَا، أَوْ يُشَارِكُهُ فِيهِ ابْنُ أَخِيهِ؟
تَعَارَضَ اللَّفْظَانِ الْمَذْكُورَانِ وَنَظَرْنَا فِيهِ النَّظَرَ الْمَذْكُورَ وَيُرَجِّحُهُ أَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْإِخْوَةِ وَعَلَى الْبَاقِينَ مِنْهُمْ كَالْخَاصِّ، وَقَوْلُهُ وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ كَالْعَامِّ فَيُقَدَّمُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ فَلِذَلِكَ تَرَجَّحَ عِنْدَنَا اخْتِصَاصُ الْأَخِ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ مُحْتَمِلًا، وَهُوَ مُشَارَكَةُ ابْنُ الْأَخِ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ فِي وَقْفِ عَلِيٍّ عِزِّ الدِّينِ ثُمَّ مَاتَتْ خَدِيجَةُ فِي حَيَاةِ أَخِيهَا عِمَادِ الدِّينِ هَلْ يُشَارِكُهُ نَجْمُ الدِّينِ، أَوْ لَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْ الْمُرَجَّحَاتِ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَهُ ` يَسْتَحِقُّ ` مُطْلَقٌ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ لَا عُمُومَ لَهُ وَالْمُطْلَقُ يَكْفِي فِي الْعَمَلِ بِهِ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ عَمِلْنَا بِهِ فِي اسْتِحْقَاقِهِ نَصِيبَ وَالِدِهِ فَلَا يُعْمَلُ بِهِ فِي غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ ` قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ شَيْئًا ` يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا أَصْلًا، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ، وَقَوْلُهُ ` اسْتَحَقَّ وَلَدُهُ ` فِعْلٌ مُطْلَقٌ، وَقَوْلُهُ ` مَا كَانَ وَالِدُهُ يَسْتَحِقُّهُ ` عَامٌّ؛ لِأَنَّ مَا: لِلْعُمُومِ وَهَذَا الْعُمُومُ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَمِيعِ نَصِيبِ وَالِدِهِ، وَهُوَ مَعْمُولٌ بِهِ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ النَّصِيبِ وَإِلَى نَصِيبِ مَنْ يَمُوتُ بَعْدَ ذَلِكَ كَنَصِيبِ خَدِيجَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَالنَّصِيبُ الْأَوَّلُ لَوْ بَقِيَ مُؤَيِّدُ الدِّينِ حَيًّا إلَى وَفَاةِ وَالِدِهِ اسْتَحَقَّهُ قَطْعًا فَلَا جُرْمَ يَسْتَحِقُّهُ وَلَدُ نَجْمِ الدِّينِ، وَالنَّصِيبُ الثَّانِي هُوَ نَصِيبُ خَدِيجَةَ قَدْ لَا يَسْتَحِقُّهُ مُؤَيِّدُ الدِّينِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَتَأَخَّرَ مَوْتُ خَدِيجَةَ عَنْ مَوْتِهِ الْمُقَدَّرِ بَعْدَ مَوْتِ وَالِدِهِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ مَا جُعِلَ لَهُ إلَّا اسْتِحْقَاقُ نَصِيبٍ مَوْصُوفٍ بِاسْتِحْقَاقِ وَالِدِهِ لَوْ بَقِيَ حَيًّا إلَى مَصِيرِ شَيْءٍ إلَيْهِ عَلَى جَمِيعِ التَّقَادِيرِ، وَهُوَ الْأَوَّلُ فَلَمْ يُجْعَلْ لَهُ الثَّانِي.
وَهَذَا التَّخْصِيصُ صِلَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ ` مَا ` عَامَّةً وَيُحْتَمَلُ؛ لَأَنْ يُقَالَ بِخِلَافِهِ فَلْيُتَفَهَّمْ هَذَا الْبَحْثُ، وَمِنْ الْمَبَاحِثِ أَيْضًا أَنَّا نُفَرِّقُ بَيْنَ قَوْلِهِ ` مَنْ مَاتَتْ مِنْ الْبَنَاتِ كَانَ نَصِيبُهَا لِإِخْوَتِهَا ` وَقَوْلِهِ كَانَ نَصِيبُهَا لِإِخْوَتِهَا الْبَاقِينَ فَالْعِبَارَةُ الْأُولَى تَقْتَضِي أَنَّ الْإِخْوَةَ كُلَّهُمْ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمْ بَعْدَهَا وَالْمَيِّتُ قَبْلَهَا مِنْ الْإِخْوَةِ، فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ وَبِمَوْتِهِ تَعَذَّرَ الصَّرْفُ إلَيْهِ مَعَ اتِّصَافِهِ