الفقه

مجموع الفتاوى لابن تيمية




مجموع الفتاوى لابن تيمية

(ج: 2 - ص: 432)

قَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ} أَيْ جَعَلْت قَصْدِي بِعِبَادَتِي وَتَوْحِيدِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ} فَإِنَّ الْوُجُوهَ الَّتِي هِيَ الْمَقَاصِدُ وَالنِّيَّاتُ الَّتِي هِيَ عَمَلُ الْقَلْبِ وَهِيَ أَصْلُ الدِّينِ: تَارَةً تُقَامُ وَتَارَةً تُزَاغُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَا مِنْ قَلْبٍ مِنْ قُلُوبِ الْعِبَادِ إلَّا وَهُوَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ إنْ شَاءَ أَنْ يُقِيمَهُ أَقَامَهُ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ} فَإِقَامَةُ الْوَجْهِ ضِدُّ إزَاغَتِهِ وَإِمَالَتِهِ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ. فَإِذَا قَوَّمَ قَصْدَهُ وَسَدَّدَهُ وَلَمْ يَنْحَرِفْ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا كَانَ قَصْدُهُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَمَا قَالَ: {لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} وَكَذَلِكَ قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: ` اجْعَلُوا سُجُودَكُمْ خَالِصًا لِلَّهِ ` فَلَا تَسْجُدُوا إلَّا لِلَّهِ. وَرُوِيَ عَنْ الضَّحَّاكِ وَابْنِ قُتَيْبَةَ ` إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ وَأَنْتُمْ عِنْدَ مَسْجِدٍ فَصَلُّوا فِيهِ وَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: أُصَلِّي فِي مَسْجِدِي كَأَنَّهُ أَرَادَ صَلُّوا لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ لَا تَخُصُّوا مَسْجِدًا دُونَ مَسْجِدٍ. وَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ يَتَوَجَّهُ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ والسدي وَابْنِ زَيْدٍ: ` تَوَجَّهُوا حَيْثُ كُنْتُمْ فِي الصَّلَاةِ إلَى الْكَعْبَةِ `. وَعَلَى هَذَا: فَإِقَامَةُ الْوَجْهِ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ وَالْكَعْبَةُ إنَّمَا فُرِضَتْ فِي الْمَدِينَةِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِإِقَامَةِ الْوَجْهِ الِاسْتِقْبَالُ الْمَأْمُورُ بِهِ.